أكرهك.. هل قلتها لك قبل الآن؟!* ماجدولين الرفاعي
قلت: أحبّك. فانهمرت كلمات البوح مدراراً فوق بساتين مفرداتنا العتيقة، غَسَلَتها من أدران الماضي وبصمات التداول المكرّر. كلّما تناولنا كلمةً نجدُ آلاف البصمات النسائية والرجالية عالقةً فوق مسامها، تشي بمرور آلاف العشّاق من بين عناقيدها وعرائشها.
قلتُ: أحبّك. فغرق قاموسنا في بحر البوح، وخرج ضيقاً، بل أضيَقُ من مقاس حبنا بكثير. كل مرّة أقول لك فيها: أحبّك، أشعر بالخيبة والهزيمة؛ فجميع العشّاق يتداولون الكلمة ذاتها، حتى غدت فارغةً من محتواها.
لأنّي أحبّك قرّرت اختراع قاموس جديد للمفردات، وصرت أقيس الكلمات على حجم حبّي لك، وضخامة شوقي إليك.. صغيرةٌ كلّ الكلمات وكلّ العبارات، وحتى القصائد ضاقت عن مساحة حبّي لك.
ضجراً؛ قلت لك: أكرهك!! نعم أكرهك لأنّك أكبر من الكلمات، ولأن عبارات الحب التي يستخدمها جميع العشّاق صارت غبية وتافهة.. وقلت لك ضجراً: أكرهك. فأضاءت حبات اللؤلؤ فوق شفاهك التي أعشق، ولمعت ابتسامة بحجم الكون. من غير ضجر قلتَ لي وأنت تلمس أطراف أصابعي: أكرهك أكثر وأكثر. أكرهك بحجم هذي السماء التي ترقبنا. أكرهك بحجم حنيني إلى صدر أُمّي، وصخب أبي عندما يعود من مقهى الحكايا مساءً. أكرهك بصدق حبّي الذي احتواك طويلاً ومازال! أكرهك بكل حنيني وكل عشقي وكل أشواقي التي تركتها قبل ساعات لديك.. بلى، أكرهك أنا لأنّك تذكرينني دوماً بعجزي عن اختراع لغة حبٍ جديدة؛ تليق بمقام حبّي لك أيّتها الشقية التي سلبت حتى الكرى من عيوني المتعبات.
صار المساء ملعباً نرمي به كرات كرهنا الجميل التي تطاير ريشها الأبيض، ملامساً أهدابنا، ثمّ يتدحرج إلى أعناقنا، فنهمس في غفلة من كلّ القواميس التي مللناها: أحبّك لأنّي... أح ب ك. أحبّك لأنّي.. أ ح ب ك.
فلتجتمع أحرفي الأربعة هذه أمامك تمثالاً لهذا الحب، يخلده حتى يشاء القدر.